سورة المؤمنون - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)}
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ} شروع في بيان إهمال الناس وتركهم النظر والاعتبار فيما عدد سبحانه من النعم وما حاقهم من زوالها وفي ذلك تخويف لقريش.
وتقديم قصة نوح عليه السلام على سائر القصص مما لا يخفى وجهه، وفي إيرادها إثر قوله تعالى: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] من حسن الموقع ما لا يوصف، وتصديرها بالقسم لإظهار كمال الاعتناء ضمونها، والكلام في نسب نوح عليه السلام وكمية لبثه في قومه ونحو ذلك قد مر، والأصح أنه عليه السلام لم تكن رسالته عامة بل أرسل إلى قوم مخصوصين {فَقَالَ} متعطفًا عليهم ومستميلًا لهم إلى الحق {يَابَنِى إسراءيل اعبدوا الله} أي اعبدوه وحده كما يفصح عنه قوله تعالى في سورة [هود: 2] {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} وترك التقييد به للإيذان بأنها هي العبادة فقط وأما العبادة مع الإشراك فليست من العبادة في شيء رأسًا، وقوله تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} استئناف مسوق لتعليل العبادة المأمور بها أو تعليل الأمر بها، و{غَيْرُهُ} بالرفع صفة لإله باعتبار محله الذي هو الرفع على أنه فاعل بلكم أو مبتدأ خبره {لَكُمْ} أو محذوف و{لكم} للتخصيص والتبيين أي ما لكم في الوجود إله غيره تعالى. وقرئ {غَيْرُهُ} بالجر اعتبارًا للفظ {إِلَهٍ} {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أتعرفون ذلك أي مضمون قوله تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} فلا تتقون عذابه تعالى الذي يستوجبه ما أنتم عليه من ترك عبادته سبحانه وحده وإشراككم به عز وجل في العبادة ما لا يستحق الوجود لولا إيجاد الله تعالى إياه فضلًا عن استحقاق العبادة فالمنكر عدم الإتقاء مع تحقق ما يوجه، ويجوز أن يكون التقدير ألا تلاحظون فلا تتقون فالمنكر كلا الأمرين فالمبالغة حينئذٍ في الكمية وفي الأول في الكيفية، وتقدير مفعول {تَتَّقُونَ} حسا أشرنا إليه أولى من تقدير بعضهم إياه زوال النعم ولا نسلم أن المقام يقتضيه كما لا يخفى.


{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)}
{فَقَالَ الملؤا} أي الأشراف {الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} وصف الملأ بالكفر مع اشتراك الكل فيه للإيذان بكمال عراقتهم وشدة شكيمتهم فيه، وليس المراد من ذلك إلا ذمهم دون التمييز عن أشراف آخرين آمنوا به عليه السلام إذ لم يؤمن به أحد من أشرافهم كما يفصح عنه قول: {مَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا} [هود: 27] وقال الخفاجي: يصح أن يكون الوصف بذلك للتمييز وإن لم يؤمن بعض أشرافهم وقت التكلم بهذا الكلام لأن من أهله عليه السلام المتبعين له أشرافًا؛ وأما قول: {مَا نَرَاكَ} [هود: 27] إلخ فعلى زعمهم أو لقلة المتبعين له من الأشراف، وأيًا ما كان فالمعنى فقال الملأ لعوامهم {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} أي في الجنس والوصوف من غير فرق بينكم وبينه وصفوه عليه السلام بذلك مبالغة في وضع رتبته العالية وحطها عن منصب النبوة، ووصفوه بقوله سبحانه: {يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} إغضابًا للمخاطبين عليه عليه السلام وإغراءً لهم على معاداته، والتفضل طلب الفضل وهو كناية عن السيادة كأنه قيل: يريد أن يسودكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم، وقيل: صيغة التفعل مستعارة للكمال فإنه ما يتكلف له يكون على أكمل وجه فكأنه قيل: يريد كمال الفضل عليكم {وَلَوْ شَاء الله لاَنزَلَ ملائكة} بيان لعدم رسالة البشر على الإطلاق على زعمهم الفاسد بعد تحقيق بشريته عليه السلام أي ولو شاء الله تعالى إرسال الرسول لأرسل رسلًا من الملائكة، وإنما قيل {لاَنزَلَ} لأن إرسال الملائكة لا يكون إلا بطريق الإنزال فمفعول المشيئة مطلق الإرسال المفهوم من الجواب لا نفس مضمونه كما في قوله تعالى: {وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ} [النحل: 9] ولا بأس في ذلك، وأما القول بأن مفعول المشيئة إنما يحذف إذا لم يكن أمرًا غريبًا وكان مضمون الجزاء فهو ضابطة للحذف المطرد فيه لا مطلقًا فإنه كسائر المفاعيل يحذف ويقدر بحسب القرائن، وعلى هذا يجوز أن يقال: التقدير ولو شاء الله تعالى عبادته وحده لأنزل ملائكة يبلغوننا ذلك عنه عز وجل وكان هذا منهم طعن في قوله عليه السلام لهم: {اعبدوا الله} [هود: 50] وكذا قوله تعالى: {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُرِيدُ} بل هو طعن فيما ذكر على التقدير الأول أيضًا وذلك بناءً على أن {هذا} إشارة إلى الكلام المتضمن الأمر بعبادة الله عز وجل خاصة والكلام على تقدير مضاف أي ما سمعنا ثل هذا الكلام في آبائنا الماضين قبل بعثته عليه السلام، وقدر المضاف لأن عدم السماع بكلام نوح المذكور لا يصلح للرد فإن السماع ثله كاف للقبول، وقيل: الإشارة إلى نفس هذا الكلام مع قطع النظر عن المشخصات فلا حاجة إلى تقدير المضاف وهو كلام وجيه؛ ثم إن قولهم هذا إما لكونهم وآبائهم في فترة وإما لفرط غلوهم في التكذيب والعناد وانهماكهم في الغي والفساد، وأيًا ما كان ينبغي أن يكون هو الصادر عنهم في مبادىء دعوته عليه السلام كما ينبىء عنه الفاء الظاهرة في التعقيب في قوله تعالى: {فَقَالَ الملا} الخ.
وقيل: {هذا} إشارة إلى نوح عليه السلام على معنى ما سمعنا بخبر نبوته، وقيل: إلى اسمه وهو لفظ نوح والمعنى لو كان نبيًا لكان له ذكر في آبائنا الأولين، وعلى هذين القولين يكون قولهم المذكور من متأخري قومه المولودين بعد بعثته دة طويلة فيكون المراد من آبائهم الأولين من مضى قبلهم في زمنه عليه الصلاة والسلام، وصدور ذلك عنهم في أواخر أمره عليه السلام وقيل: بعد مضي آبائهم ولا يلزم أن يكون في الأواخر، وعليهما أيضًا يكون قولهم:


{إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)}
{إِنْ هُوَ} أي ما هو {إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} أي جنون أو جن يخبلونه ولذلك يقول ما يقول: {فَتَرَبَّصُواْ بِهِ} فاحتملوه واصبروا عليه وانتظروا {حتى حِينٍ} لعله يفيق مما هو فيه محمولًا على ترامي أحوالهم في المكابرة والعناد وإضرابهم عما وصفوه عليه السلام به من البشرية وإرادة التفضل إلى وصفه بما ترى وهم يعرفون أنه عليه السلام أرجح الناس عقلًا وأرزنهم قولًا، وهو على ما تقدم محمول على تناقض مقالاتهم الفاسدة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11